فصل: باب وجوب الاستنجاء بالحجر أو الماء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب وجوب الاستنجاء بالحجر أو الماء

1- عن عائشة رضي اللَّه عنها‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي وأبو داود والدارقطني وقال‏:‏ إسناده صحيح حسن‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا ابن ماجه وأخرج نحوه أبو داود والنسائي وغيرهما من حديث أبي هريرة وهو يدل على وجوب الاستجمار بثلاثة أحجار وفيه خلاف قد أسلفناه في باب نهي المتخلي عن استقبال القبلة‏.‏ قال في البحر‏:‏ الاستجمار بثلاثة أحجار مشروع إجماعًا‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏فإنها تجزئ عنه‏)‏ أي تكفيه وهو دليل لمن قال بكفاية الأحجار وعدم وجوب الاستنجاء بالماء وإليه ذهبت الشافعية والحنفية وبه قال ابن الزبير وسعد ابن أبي وقاص وابن المسيب وعطاء‏.‏ وسيأتي الكلام على ذلك في باب الاستنجاء بالماء إن شاء اللَّه تعالى‏.‏

2- وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مر بقبرين فقال‏:‏ إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة‏)‏‏.‏

رواه الجماعة وفي رواية للبخاري والنسائي‏:‏ ‏(‏وما يعذبان في كبير ثم قال بلى كان أحدهما‏)‏ وذكر الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال إنهما يعذبان‏)‏ أعاد الضمير إلى القبرين مجازًا والمراد من فيهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يستتر‏)‏ بمثناتين من فوق الأولى مفتوحة والثانية مكسورة وهو هكذا في أكثر الروايات قاله ابن حجر في الفتح‏.‏ وفي رواية لمسلم وأبي داود يستنزه بنون ساكنة بعدها زاي ثم هاء وفي رواية لابن عساكر يستبرئ بموحدة ساكنة من الاستبراء فعلى الرواية الأولى معنى الاستتار أن لا يجعل بينه وبين بوله سترة يعني لا يتحفظ منه فتوافق الرواية الثانية لأنها من التنزه وهو الإبعاد‏.‏

وقد وقع عند أبي نعيم ‏(‏كان لا يتوقى‏)‏ وهو مفسر للمراد وأجراه بعضهم على ظاهره فقال معناه لا يستر عورته وضعف لأن التعذيب لو وقع على كشف العورة لاستقل الكشف بالسببية واطرح اعتبار البول‏.‏

وسياق الحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية فالحمل على ما يقتضيه الحديث المصرح بهذه الخصوصية أولى‏.‏

وقد ثبت من حديث أبي هريرة مرفوعًا ‏(‏أكثر عذاب القبر من البول‏)‏ أي بسبب ترك التحرز منه‏.‏ وقد صححه ابن خزيمة وسيأتي حديث ‏(‏تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ وأيضًا فإن لفظة من لما أضيفت إلى البول وهي لابتداء الغاية حقيقة أو ما يرجع إلى معنى ابتداء الغاية مجازًا تقتضي نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب إلى البول‏.‏ يعني أن ابتداء سبب عذابه من البول وإذا حملناه على كشف العورة زال هذا المعنى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من بوله‏)‏ هذه الرواية ترد مذهب من حمل البول على العموم واستدل به على نجاسة جميع أبوال الحيوانات وقد سبق الكلام على ذلك في باب الرخصة في بول ما يؤكل لحمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يمشي بالنميمة‏)‏ قال النووي‏:‏ هي نقل كلام الغير بقصد الإضرار وهي من أقبح القبائح وتعقبه الكرماني فقال‏:‏ هذا لا يصلح على قاعدة الفقهاء فإنهم يقولون الكبيرة هي الموجبة الحد ولا حد على المشي بالنميمة وتعقبه الحافظ بأنه ليس قول جميعهم لكن كلام الرافعي يشعر بترجيحه حيث حكى في تعريف الكبيرة وجهين أحدهما هذا والثاني ما فيه وعيد شديد قال‏:‏ وهم إلى الأول أميل والثاني أوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر انتهى‏.‏ وللبحث في ذلك موضع غير هذا الموضع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم قال بلى‏)‏ أي وإنه لكبير وقد صرح بذلك البخاري في الأدب من طريق عبيدة بن حميد عن منصور عن الأعمش ولم يخرجها مسلم‏.‏ وهذه الزيادة ترد ما قاله ابن بطال من أن الحديث يدل على أن التعذيب لا يختص بالكبائر بل قد يقع على الصغائر وقد ورد مثلها من طريق أبي بكرة عند أحمد والطبراني‏.‏

وقد اختلف في معنى هذه الزيادة بعد قوله‏:‏ ‏(‏وما يعذبان في كبير‏)‏ فقال أبو عبد الملك يحتمل أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ظن أن ذلك غير كبير فأوحى إليه في الحال بأنه كبير فاستدرك وتعقب بأنه يستلزم أن يكون نسخًا والنسخ لا يدخل الخبر وأجيب بأن الخبر بالحكم يجوز نسخه وقيل يحتمل أن الضمير في قوله‏:‏ ‏(‏وإنه‏)‏ يعود على العذاب لما ورد في صحيح ابن حبان من حديث أبي هريرة ‏(‏يعذبان عذابًا شديدًا في ذنب هين‏)‏ وقيل الضمير يعود على أحد الذنبين وهي النميمة لأنها من الكبائر بخلاف كشف العورة وهذا مع ضعفه غير مستقيم لأن الاستتار المنفي ليس المراد به كشف العورة كما سلف‏.‏

وقال الداودي‏:‏ إن الكبير المنفي بمعنى أكبر والمثبت واحد الكبائر أي ليس ذلك بأكبر الكبائر كالقتل مثلًا وإن كان كبيرًا في الجملة‏.‏ وقيل المعنى ليس بكبير في الصورة لأن تعاطي ذلك يدل على الدناءة والحقارة وهو كبير في الذنب‏.‏ وقيل ليس بكبير في اعتقادهما أو في اعتقاد المخاطبين وهو عند اللَّه كبير‏.‏ وقيل إنه ليس بكبير في مشقة الاحتراز أي كان لا يشق عليهما الاحتراز من ذلك وهذا الأخير جزم به البغوي وغيره ورجحه ابن دقيق العيد وجماعة‏.‏ وقيل ليس بكبير بمجرده وإنما صار كبيرًا بالمواظبة عليه ويرشد إلى ذلك السياق فإنه وصف كلا منهما بما يدل على تجدد ذلك منه واستمراره عليه للإتيان بصيغة المضارعة بعد كان‏.‏ ذكر معناه في الفتح‏.‏

والحديث يدل على نجاسة البول من الإنسان ووجوب اجتنابه وهو إجماع‏.‏

ويدل أيضًا على عظم أمره وأمر النميمة وأنهما من أعظم أسباب عذاب القبر قال ابن دقيق العيد‏:‏ وهو محمول على النميمة المحرمة فإن النميمة إذا اقتضى تركها مفسدة تتعلق بالغير أو فعلها نصيحة يستضر الغير بتركها لم تكن ممنوعة كما نقول في الغيبة إذا كانت للنصيحة أو لدفع المفسدة لم تمنع ولو أن شخصًا اطلع من آخر على قول يقتضي إيقاع ضرر بإنسان فإذا نقل إليه ذلك القول احترز عن ذلك الضرر لوجب ذكره له انتهى‏.‏

والحديث أيضًا يدل على إثبات عذاب القبر وقد جاءت الأحاديث المتواترة بإثباته‏.‏ وخلاف بعض المعتزلة في ذلك من الأباطيل التي لا مستند لها إلا مجرد الهوى‏.‏

‏[‏فائدة‏]‏ لم يعرف اسم المقبورين ولا أحدهما والظاهر أن ذلك كان على عمد من الرواة لقصد الستر عليهما وهو عمل مستحسن وينبغي أن لا يبالغ في الفحص عن تسمية من وقع في حقه ما يذم به‏.‏ وما حكاه القرطبي في التذكرة وضعفه أن أحدهما سعد بن معاذ فقال الحافظ‏:‏ إنه قول باطل لا ينبغي ذكره إلا مقرونًا ببيانه ومما يدل على بطلان الحكاية المذكورة أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم حضر دفن سعد بن معاذ كما ثبت في الحديث الصحيح‏.‏

وأما قصة المقبورين ففي حديث أبي أمامة عند أحمد أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال لهم‏:‏ ‏(‏من دفنتم اليوم ههنا‏)‏ فدل على أنه لم يحضرهما وقد اختلف في المقبورين فقيل كانا كافرين وبه جزم أبو موسى المديني واستدل بما وقع من حديث جابر أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏مر على قبرين من بني النجار هلكا في الجاهلية‏)‏ وفي إسناده ابن لهيعة‏.‏ وجزم ابن العطار في شرح العمدة ‏[‏أي عمدة الأحكام للعلامة الشيخ عبد الغني الجماعيلي المقدسي المتوفى سنة 600 هجرية‏.‏ وقد شرحه الكثير من العلماء الأعلام منهم العلامة علاء الدين ابن العطار وهو تلميذ الإمامين الجليلين العلامة أبي زكرياء يحيى النووي شارح المهذب والعلامة المجتهد أبي الفتح القشيري المعروف بابن دقيق العيد‏.‏ وقد وفقت لطبع شرح العلامة ابن دقيق العيد على العمدة وجعلت عليه تعليقات نفيسة استفدت بعضها من شرح العلامة علاء الدين ابن العطار كما نبهت على ذلك هناك وتم منه ثلاثة أجزاء والرابع قريب الظهور وبه يتم الكتاب إن شاء اللَّه تعالى واللَّه أعلم‏]‏‏.‏ بأنهما كانا مسلمين قال‏:‏ لأنهما لو كانا كافرين لم يدع لهما بتخفيف العذاب ولا ترجاه لهما ولو كان ذلك من خصائصه لبينه كما في قصة أبي طالب‏.‏

قال الحافظ‏:‏ الظاهر من مجموع طرق حديث الباب أنهما كانا مسلمين ففي رواية ابن ماجه ‏(‏مر بقبرين جديدين‏)‏ فانتفى كونهما في الجاهلية‏.‏ وفي حديث أبي أمامة عند أحمد أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏مر بالبقيع فقال‏:‏ من دفنتم اليوم ههنا‏)‏ كما تقدم فهذا يدل على أنهما كانا مسلمين لأن البقيع مقبرة المسلمين قال‏:‏ ويؤيده ما في رواية أبي بكرة عند أحمد والطبراني بإسناد صحيح ‏(‏يعذبان وما يعذبان في كبير وبلى وما يعذبان إلا في الغيبة والبول‏)‏ فهذا الحصر ينفي كونهما كانا كافرين لأن الكافر يعذب على كفره بلا خلاف قال‏:‏ وأما ما احتج به أبو موسى فهو ضعيف كما اعترف به وقد رواه أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم وليس فيه ذكر سبب التعذيب فهو من تخليط ابن لهيعة انتهى ملتقطًا من الفتح‏.‏

2- وعن أنس رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني‏.‏

الحديث رواه الدارقطني من طريق أبي جعفر الرازي عن قتادة عنه وصحح إرساله ونقل عن أبي زرعة أنه المحفوظ‏.‏ وقال أبو حاتم‏:‏ رويناه من حديث ثمامة عن أنس والصحيح إرساله‏.‏ ورواه الدارقطني من حديث أبي هريرة وفي لفظ له وللحاكم وابن ماجه وأحمد ‏(‏أكثر عذاب القبر من البول‏)‏ قال الحافظ في بلوغ المرام‏:‏ وهو صحيح الإسناد انتهى‏.‏ وأعله أبو حاتم فقال‏:‏ إن رفعه باطل‏.‏

وفي الباب عن ابن عباس رواه عبد بن حميد في مسنده والحاكم والطبراني وغيرهم وإسناده حسن ليس فيه غير أبي يحيى القتات وفيه لين ولفظه‏:‏ ‏(‏أن عامة عذاب القبر من البول فتنزهوا منه‏)‏‏.‏

وعن عبادة بن الصامت في مسند البزار ولفظه‏:‏ ‏(‏سألنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن البول فقال إذا مسكم شيء فاغسلوه فإني أظن أن منه عذاب القبر‏)‏‏.‏ وإسناده حسن‏.‏ وقال سعيد بن منصور حدثنا خالد عن يونس بن عبيد عن الحسن قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر من البول‏)‏ ورواته ثقات مع إرساله‏.‏ ويؤيد الحديث ما ثبت في الصحيحين وغيرهما في الحديث الذي قبل هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تنزهوا من البول‏)‏ التنزه البعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن عامة عذاب القبر منه‏)‏ عامة الشيء معظمه والمراد أنه أكثر أسبابه‏.‏

والحديث يدل على وجوب الاستنزاه من البول مطلقًا من غير تقييد بحال الصلاة وإليه ذهب أبو حنيفة وهو الحق لكن غير مقيد بما ذكره من استثناء مقدار الدرهم فإنه تخصيص بغير مخصص‏.‏ وقال مالك‏:‏ إزالته في وقت الصلاة ليست بفرض واعتذر له عن الحديث بأن صاحب القبر إنما عذب لأنه كان يترك البول يسيل عليه فيصلي بغير طهور لأن الوضوء لا يصح مع وجوده وهو تقييد لم يدل عليه دليل وقد أمر اللَّه بتطهير الثياب ولم يقيده بحالة مخصوصة‏.‏

 باب النهي عن الاستجمار بدون الثلاثة الأحجار

1- عن عبد الرحمن بن يزيد قال‏:‏ ‏(‏قيل لسلمان علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة فقال سلمان‏:‏ أجل نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول وأن نستنجي باليمين أو يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار أو أن يستنجي برجيع أو بعظم‏)‏‏.‏

رواه مسلم وأبو داود والترمذي‏.‏

أما الاستقبال بالغائط والبول فقد تقدم الكلام عليه في باب نهي المتخلي عن استقبال القبلة وأما الاستنجاء باليمين فقد تقدم أيضًا طرف من الكلام عليه في ذلك الباب‏.‏ قال النووي‏:‏ وقد أجمع العلماء على أنه منهي عنه ثم الجماهير على أنه نهي تنزيه وأدب لا نهي تحريم وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه حرام قال‏:‏ وأشار إلى تحريمه جماعة من أصحابنا ولا تعويل على إشارتهم قال‏:‏ قال أصحابنا ويستحب أن لا يستعين باليد اليمنى في شيء من أحوال الاستنجاء إلا لعذر فإذا استنجى بماء صبه باليمنى ومسح باليسرى وإذا استنجى بحجر فإن كان في الدبر مسح بيساره وإن كان في القبل وأمكنه وضع الحجر على الأرض أو بين قدميه بحيث يتأتى مسحه أمسك الذكر بيساره ومسحه على الحجر وإن لم يمكنه واضطر إلى حمل الحجر حمله بيمينه وأمسك الذكر بيساره ومسح بها ولا يحرك اليمنى هذا هو الصواب قال‏:‏ وقال بعض أصحابنا يأخذ الحجر بيساره والذكر بيمينه ويحرك اليسرى وهذا ليس بصحيح لأنه يمس الذكر من غير ضرورة وقد نهي عنه ثم إن في النهي عن الاستنجاء باليمين تنبيهًا على إكرامها وصيانتها عن الأقذار ونحوها اهـ‏.‏

والحاصل أنه قد ورد النهي عن مس الذكر باليمين في الحديث المتفق عليه وورد النهي عن الاستنجاء باليمين في هذا الحديث وغيره فلا يجوز استعمال اليمين في أحد الأمرين وإذا دعت الضرورة إلى الانتفاع بها في أحدهما استعملها قاضي الحاجة في أخف الأمرين في نظره‏.‏

وأما النهي عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار فقد ذكرنا في باب نهي المتخلي عن استقبال القبلة الروايات الواردة في هذا المعنى وذكرنا هنالك طرفًا من فقه هذه الجملة فليرجع إليه‏.‏

وقد قال بعض أهل الظاهر‏:‏ إن الاستجمار بالحجر متعين لنصه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عليها فلا يجزئ غيره وذهب الجمهور إلى أن الحجر ليس متعينًا بل تقوم الخرقة والخشب وغير ذلك مقامه قال النووي‏:‏ فلا يكون له مفهوم كما في قوله‏:‏ تعالى ‏{‏ولا تقتلوا أولادكم من إملاق‏}‏ ويدل على عدم تعين الحجر نهيه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن العظم والبعر والرجيع ولو كان متعينًا لنهى عما سواه مطلقًا وعلى الجملة كل جامد طاهر مزيل للعين ليس له حرمة يجزئ الاستجمار به وأما النهي عن الاستنجاء برجيع أو بعظم فقد ثبت من طرق متعددة والرجيع الروث‏.‏ وفيه تنبيه على النهي عن جنس النجس فلا يجزئ الاستنجاء بنجس أو متنجس‏.‏

وقد ذهبت العترة والشافعي وأصحابه إلى عدم إجزاء العظم والروث وقال أبو حنيفة يكره ويجزئ إذا قصد تخفيف النجاسة وهو يحصل بهما ويدل للأول ما أخرجه الدارقطني وصححه من حديث أبي هريرة وفيه أنهما لا يطهران‏.‏

والنهي عن العظم لكونه طعام الجن كما سيأتي وفيه تنبيه على جميع المطعومات ويلتحق بها المحترمات كأجزاء الحيوانات وأوراق كتب العلم وغير ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الخراءة‏)‏ هي العذرة قال في القاموس‏:‏ خرئ كسمع خرأ أو خراءة ويكسر وخروءًا سلح والخرءة بالضم العذرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الخراءة‏)‏ الخراءة الممدودة لفظًا المذكورة في الحديث بقوله‏:‏ ‏(‏علمكم‏)‏ إلخ المراد بها الفعل نفسه لا الخارج فينظر في تفسيرها به‏.‏

2- وعن جابر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثًا‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

2- وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏.‏

الحديث الأول فيه ابن لهيعة وقد أخرجه أيضًا الضياء وابن أبي شيبة ورواه النسائي في شيوخ الزهري وابن منده في المعرفة والطبراني من حديث أبي غسان محمد بن يحيى الكناني عن أبيه ابن أخي ابن شهاب عن ابن شهاب أخبرني خلاد بن السائب عن أبيه أنه سمع النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏إذا تغوط الرجل فليتمسح ثلاث مرات‏)‏ وله طريق أخرى عن خلاد بن السائب عن أبيه في حديث البغوي عن هدبة وأعل ابن حزم الطريق الأولى بأن محمد بن يحيى مجهول وأخطأ بل هو معروف أخرج له البخاري وقال النسائي ليس به بأس قاله الحافظ‏.‏

وأما الحديث الثاني فأخرجه أيضًا ابن حبان والحاكم والبيهقي ومداره على أبي سعيد الحبراني الحمصي وفيه اختلاف‏.‏ وقيل إنه صحابي قال الحافظ‏:‏ لا يصح والراوي عنه حصين الحبراني وهو مجهول وقال أبو زرعة‏:‏ شيخ وذكره ابن حبان في الثقات وذكر الدارقطني الاختلاف فيه في العلل‏.‏

والحديث الأول يدل على شرعية الاستجمار بثلاثة أحجار ووجوبه‏.‏ وقد تقدم ذكر الخلاف فيه في باب نهي المتخلي عن استقبال القبلة‏.‏

والحديث الثاني يدل على الإيتار وعلى استحبابه وعدم وجوبه‏.‏ لقوله‏:‏ ‏(‏ومن لا فلا حرج‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وهذه الزيادة حسنة الإسناد وقد أخذ بظاهره القاسمية وأبو حنيفة ومالك فقالوا‏:‏ لا يعتبر العدد بل المعتبر الإيتار وخالفهم الشافعي وأصحابه وغيرهم كما تقدم‏.‏ وقالوا‏:‏ لا يجوز الاستجمار بدون ثلاث ويجوز بأكثر منها إن لم يحصل الانقاء بها‏.‏

وقد أشار المصنف رحمه اللَّه إلى ما هو الحق وهو الذي لاح لي فقال‏:‏ وهذا محمول على أن القطع على وتر سنة فيما إذا زاد على ثلاث جمعًا بين النصوص اهـ‏.‏

والأدلة المتعاضدة قد دلت على عدم جواز الاستجمار بدون ثلاث وليس لمن جوز دليل يصل للتمسك به في مقابلتها وسيأتي الكلام عليه وقد تقدم أيضًا‏.‏

 باب في إلحاق ما كان في معنى الأحجار بها

1- عن خزيمة بن ثابت رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم سئل عن الاستطابة فقال بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏.‏

2- وعن سلمان قال‏:‏ ‏(‏أمرنا يعني النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن لا نكتفي بدون ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ولا عظم‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

الحديث الأول رجال إسناده ثقات فإنه أخرجه أبو داود عن شيخه عبد اللَّه بن محمد النفيلي عن أبي معاوية عن هشام بن عروة عن عمرو بن خزيمة عن عمارة بن خزيمة عن خزيمة ابن ثابت‏.‏

والحديث الثاني هو أيضًا في صحيح مسلم وقد عارضت الحنفية هذا الحديث الدال على وجوب الثلاث بحديث ابن مسعود الذي سيأتي وفيه ‏(‏فأخذ الحجرين وألقى الروثة‏)‏‏.‏

قال الطحاوي‏:‏ هو دليل على أن عدد الأحجار ليس بشرط لأنه قعد للغائط في مكان ليس فيه أحجار لقوله‏:‏ ‏(‏ناولني‏)‏ فلما ألقى الروثة دل على أن الاستنجاء بالحجرين يجزئ إذ لو لم يكن ذلك لقال ابغني ثالثًا ورده الحافظ وقال‏:‏ قد روى أحمد فيه هذه الزيادة بإسناد رجاله ثقات قال في آخره ‏(‏فألقى الروثة وقال‏:‏ إنها ركس ائتني بحجر‏)‏ قال‏:‏ مع أنه ليس فيما ذكر استدلال لأنه مجرد احتمال وحديث سلمان نص في عدم الاقتصار على ما دونها ثم حديث سلمان قول وحديث ابن مسعود فعل وإذا تعارضا قدم القول اهـ‏.‏ وأيضًا في سائر الأحاديث الناصة على وجوب الثلاث زيادة يجب المصير إليها مع عدم منافاتها بالاتفاق ولم تقع هنا منافية فالأخذ بها متحتم وقد تقدم الكلام على الحديثين في مواضع من هذا الكتاب فلا نعيده‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه‏:‏ ولولا أنه أراد الحجر وما كان نحوه في الانقاء لم يكن لاستثناء العظم والروث معنى ولا حسن تعليل النهي عنهما بكونهما من طعام الجن وقد صح عنه التعليل بذلك اهـ‏.‏

وهذا الكلام هو وجه ترجمة الباب بتلك الترجمة وهو حسن‏.‏

 باب النهي عن الاستجمار بالروث والرمة ‏[‏الرمة بالكسر العظم البالي وكذلك الرميم‏]‏‏.‏

1- عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏نهى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يتمسح بعظم أو بعرة‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏

2- وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم نهى أن يستنجى بروث أو بعظم وقال إنهما لا يطهران‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني وقال‏:‏ إسناده صحيح‏.‏

النهي عن العظم قد تقدم في أحاديث متعددة في المتن والشرح‏.‏ والنهي عن البعرة ثابت في رواية جابر وغيره‏.‏

وقد أخرج الحديث الثاني ابن خزيمة بهذا اللفظ ورواه البخاري بلفظ‏:‏ ‏(‏ولا تأتني بعظم ولا روث‏)‏ وزاد في باب المبعث ‏(‏إنهما من طعام الجن‏)‏ وهو عند مسلم من حديث ابن مسعود وعند أبي داود والدارقطني والنسائي والحاكم من حديثه‏.‏

وأخرجه البيهقي مطولًا وهو عند الطبراني من حديث الزبير بسند ضعيف‏.‏ وعند أحمد بإسناد واه من حديث سهل بن حنيف‏.‏ وعند أبي داود والنسائي من حديث رويفع‏.‏ وعند الدارقطني عن رجل من الصحابة‏.‏

وفي الحديثين دليل على وجوب اجتناب العظم والروث وعدم الاجتزاء بهما‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏إنهما لا يطهران‏)‏ يرد قول أبي حنيفة الذي أسلفناه من أنه يجزئ بهما‏.‏ قيل والعلة في النهي عن العظم اللزوجة المصاحبة له التي لا يكاد يتماسك معها‏.‏ وقيل عدم خلوه في الغالب عن الدسومة‏.‏ وقيل لكونه طعام الجن وهذا هو المتعين لورود النص به فيلحق به سائر المطعومات وأما الروث فعلة النهي عنه النجاسة والنجاسة لا تزال بمثلها‏.‏

 باب النهي أن يستنجى بمطعوم أو بما له حرمة

1- عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن قال‏:‏ فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وسألوه الزاد فقال‏:‏ لكم كل عظم ذكر اسم اللَّه عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحمًا وكل بعرة علف لدوابكم فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

الحديث رواه أيضًا أبو داود والدارقطني والنسائي والحاكم‏.‏

وفي الباب عن الزبير بن العوام رواه الطبراني بسند ضعيف وعن سلمان رواه مسلم وعن جابر عند مسلم وغيره كما سلف‏.‏

وقد ورد في الباب أحاديث متعددة مصرحة بالنهي عن العظم والروث قد ذكرنا بعض طرقها في الحديث الذي قبل هذا‏.‏ ورواه أيضًا أبو عبد اللَّه الحاكم في دلائل النبوة قال‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال لابن مسعود ليلة الجن أولئك جن نصيبين جاؤوني فسألوني الزاد فمتعتهم بالعظم والروث قال‏:‏ وما يغني عنهم ذلك يا رسول اللَّه قال‏:‏ إنهم لا يجدون عظمًا إلا وجدوا عليه لحمه الذي كان عليه يوم أخذ ولا يجدون روثًا إلا وجدوا فيه حبه الذي كان يوم أكل فلا يستنجي أحد لا بعظم ولا بروث‏)‏ وفي رواية أبي داود عن عبد اللَّه بن مسعود قال‏:‏ ‏(‏قدم وفد الجن على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال يا محمد انهِ أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة فإن اللَّه تعالى جعل لنا فيها رزقًا قال‏:‏ فنهى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن ذلك‏)‏ وفي إسناده إسماعيل بن عياش‏.‏ والحديث قد تقدم الكلام على فقهه في مواضع‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه‏:‏ وفيه تنبيه على النهي عن إطعام الدواب النجاسة اهـ لأن تعليل النهي عن الاستجمار بالبعرة بكونها طعام دواب الجن يشعر بذلك‏.‏

2- وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أنه كان يحمل مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إدواة لوضوئه وحاجته فبينما هو يتبعه بها قال‏:‏ من هذا قال‏:‏ أنا أبو هريرة قال‏:‏ ابغني أحجارًا استنفض بها ولا تأتني بعظم ولا بروثة فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي حتى وضعت إلى جنبيه ثم انصرفت حتى إذا فرغ مشيت فقلت‏:‏ ما بال العظم والروثة قال‏:‏ هما من طعام الجن وإنه أتاني وفد جن نصيبين ونعم الجن فسألوني الزاد فدعوت اللَّه لهم أن لا يمروا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعامًا‏)‏‏.‏

رواه البخاري‏.‏

الحديث هكذا ساقه البخاري في باب ذكر الجن وهو أتم مما ساقه في الطهارة وأخرجه البيهقي من الوجه الذي أخرجه منه مطولًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابغني أحجارًا‏)‏ بالوصل من الثلاثي أي اطلب لي يقال بغيتك الشيء أي طلبته لك وفي رواية بالقطع يقال أبغيتك الشيء أي أعنتك على طلبه والوصل أنسب بالسياق كذا في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أسنتفض‏)‏ بفاء مكسورة وضاد معجمة مجزوم لأنه جواب الأمر ويجوز الرفع على الاستئناف‏.‏ ومعنى الاستنفاض النفض وهو أن يهز الشيء ليطير غباره‏.‏ وفي القاموس اسنتفضه استخرجه وبالحجر استنجى‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ومن رواه بالقاف فقد صحف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تأتني‏)‏ قال الحافظ‏:‏ كأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم خشي أن أبا هريرة فهم من قوله‏:‏ ‏(‏أستنجي‏)‏ أن كل ما يزيل الأثر وينقي كاف ولا اختصاص لذلك بالأحجار فنبهه باقتصاره في النهي على العظم والروث على أن ما سواهما يجزئ ولو كان ذلك مختصًا بالأحجار كما يقوله‏:‏ بعض الحنابلة والظاهرية لم يكن لتخصيص هذين للنهي معنى وإنما خص الأحجار بالذكر لكثرة وجودها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هما من طعام الجن‏)‏ قال الحافظ‏:‏ الظاهر من هذا التعليل اختصاص المنع بهما‏.‏ والحديث قد تقدم الكلام على فقهه‏.‏

 باب ما لا يستنجى به لنجاسته

1- عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏أتى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجد فأخذت روثة فأتيته بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال‏:‏ هذه ركس‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وزاد فيه أحمد في رواية له ‏(‏أئتني بحجر‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلم أجد‏)‏ في رواية للبخاري ‏(‏فلم أجده‏)‏ والضمير للحجر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخذت روثة‏)‏ زاد ابن خزيمة في رواية له في هذا الحديث أنها كانت روثة حمار ونقل التيمي أن الروث مختص بما يكون من الخيل والبغال والحمير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وألقى الروثة‏)‏ استدل به الطحاوي على عدم وجوب الثلاث وقد سبق الرد عليه برواية أحمد المذكورة ههنا في باب إلحاق ما كان في معنى الأحجار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذه ركس‏)‏ الركس بكسر الراء وإسكان الكاف قيل هي لغية في رجس ويدل عليه رواية ابن ماجه وابن خزيمة في هذا الحديث فإنها عندهما بالجيم‏:‏ وقال ابن بطال‏:‏ لم أر هذا الحرف في اللغة يعني ركس وتعقبه أبو عبد الملك أن معناه الرد من حالة الطهارة إلى حالة النجاسة‏.‏

قال اللَّه تعالى ‏{‏اركسوا فيها‏}‏ أي ردوا‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ولو ثبت ما قال لكان بفتح الراء يقال أركسه ركسًا إذا رده‏.‏ وفي رواية الترمذي ‏(‏هذا ركس‏)‏ يعني نجسًا‏.‏ وأغرب النسائي فقال‏:‏ الركس طعام الجن قال الحافظ‏:‏ وهذا إن ثبت في اللغة فهو مزيج للإشكال‏.‏ وفي القاموس الركس رد الشيء مقلوبًا وقلب أوله على آخره وشد الركاس وهو حبل يشد في خطم الجمل إلى رسغ يديه فيضيق عليه فيبقى رأسه معلقًا وبالكسر النجس انتهى‏.‏

وقد ذكر الشاذكوني أن في الحديث تدليسًا وقال‏:‏ إنه لم يسمع في التدليس بأخفى منه وقد رده في الفتح فليرجع إليه‏.‏ والحديث يدل على المنع من الاستجمار بالروثة وقد تقدم الكلام عليه‏.‏

 باب الاستنجاء بالماء

1- عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إدواة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إداوة‏)‏ هي بكسر الهمزة إناء صغير من جلد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعنزة‏)‏ هي بفتح النون عصا أقصر من الرمح لها سنان وقيل هي الحربة القصيرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيستنجي‏)‏ قال الأصيلي متعقبًا على البخاري‏:‏ استدلاله بهذه الزيادة على الاستنجاء أنها من قول أبي الوليد أحد الرواة عن شعبة لا من قول أنس قال‏:‏ وقد رواه سليمان بن حرب عن شعبة فلم يذكرها وقد رده الحافظ بأنها قد ثبتت للإسماعيلي من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة بلفظ‏:‏ ‏(‏فانطلقت أنا وغلام من الأنصار معنا إدواة فيها ماء يستنجي منها النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏ وللبخاري من طريق روح بن القاسم عن عطاء بن أبي ميمونة بلفظ‏:‏ ‏(‏إذا تبرز أتيته بماء فتغسل به‏)‏ ولمسلم من طريق خالد الحذاء عن عطاء عن أنس بلفظ‏:‏ ‏(‏فخرج علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقد استنجى بالماء‏)‏ قال‏:‏ وقد بان بهذه الروايات الرد على الأصيلي وكذا فيه الرد على من زعم أن قوله‏:‏ ‏(‏يستنجي بالماء‏)‏ مدرج من قول عطاء الراوي عن أنس كما حكاه ابن التين عن أبي عبد الملك فإن رواية خالد الحذاء السابقة تدل على أنه قول أنس‏.‏

والحديث يدل على ثبوت الاستنجاء بالماء وقد أنكره مالك وأنكر أن يكون النبي صلى اللَّه عليه وسلم استنجى بالماء‏.‏ وقد روى ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن حذيفة بن اليمان أنه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال‏:‏ إذا لا يزال في يدي نتن وعن نافع أن ابن عمر كان لا يستنجي بالماء‏.‏ وعن ابن الزبير قال‏:‏ ما كنا نفعله‏.‏

وذكر ابن دقيق العيد أن سعيد بن المسيب سئل عن الاستنجاء بالماء فقال‏:‏ إنما ذلك وضوء النساء‏.‏ قال‏:‏ وعن غيره من السلف ما يشعر بذلك

والسنة دلت على الاستنجاء بالماء في هذا الحديث وغيره فهي أولى بالإتباع قال‏:‏ ولعل سعيدًا رحمه اللَّه فهم من أحد غلوا في هذا الباب بحيث يمنع الاستنجاء بالأحجار فقصد في مقابلته أن يذكر هذا اللفظ لإزالة ذلك الغلو وبالغ بإيراده إياه على هذه الصيغة‏.‏

وقد ذهب بعض من أصحاب مالك إلى أن الاستجمار بالحجارة إنما هو عند عدم الماء وإذا ذهب إليه بعض الفقهاء فلا يبعد أن يقع لغيرهم ممن في زمان سعيد رحمه اللَّه انتهى‏.‏

وقد اختلف العلماء في الاكتفاء بالأحجار وعدم تعين الماء فذهبت الشافعية والحنفية إلى عدم وجوب الماء وأن الأحجار تكفي إلا إذا تعدت النجاسة الشرج أي حلقة الدبر وقال بقوله‏:‏م سعد ابن أبي وقاص وابن الزبير وابن المسيب وعطاء واستدلوا بحديث‏:‏ ‏(‏إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه‏)‏ كما تقدم وبنحوه من أحاديث الاستطابة‏.‏

وذهبت العترة والحسن البصري وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وأبو علي الجبائي إلى عدم الاجتزاء بالحجارة للصلاة ووجوب الماء وتعينه واحتجوا لذلك بقوله‏:‏ تعالى ‏{‏فلم تجدوا ماء فتيمموا‏}‏ وأجيب بأن الآية في الوضوء ولا شك أن الماء متعين له ولا يجزئ التيمم إلا عند عدمه وأما محل النزاع فلا دلالة في الآية عليه‏.‏

قالوا‏:‏ حديث الباب ونحوه مصرح بأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم استنجى بالماء قلنا النزاع في تعينه وعدم الاجتزاء بغيره ومجرد فعل النبي له لا يدل على المطلوب وإلا لزمكم القول بتعين الأحجار لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم فعله وهو عكس مطلوبكم‏.‏

قالوا‏:‏ أخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي من حديث عائشة أنها قالت للنساء‏:‏ مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء فإني أستحييهم وإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فعله قلنا صرحت بالمستند وهو مجرد فعل النبي له ولم تنقل عنه الأمر به ولا حصر الاستطابة عليه‏.‏

قالوا‏:‏ حديث قباء وفيه الثناء عليهم لأنهم كانوا يستنجون بالماء كما سيأتي قلنا وهو حجة عليكم لا لكم لأن تخصيص أهل قباء بالثناء يدل على أن غيرهم بخلافهم ولو كان واجبًا لشاركهم غيرهم سلمنا فمجرد الثناء لا يدل على الوجوب المدعى وغاية ما فيه الأولوية لأصالة الماء في التطهير وزيادة تأثيره في إذهاب أثر النجاسة على أن حديث قباء فيه كلام سيأتي في هذا الباب‏.‏

قال المهدي في البحر رادًا على حجة أهل القول الأول ما لفظه قلنا مسلم فأين سقوط الماء انتهى‏.‏ ونقول له ومتى ثبت وجوب الماء حتى نطلب دليل سقوطه ثم أن السنة باعترافك قد وردت بالاستطابة بالأحجار وأنها مجزئة فأين دليل عدم إجزائها‏.‏ وعن معاذة عن عائشة رضي اللَّه عنها أنها قالت‏:‏ ‏(‏مرن أزواجكن أن يغسلوا عنهم أثر الغائط والبول فإنا نستحي منهم وإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يفعله‏)‏ رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه‏.‏

الحديث يرد على من أنكر الاستنجاء بالماء منه صلى اللَّه عليه وسلم والكلام عليه قد تقدم في الذي قبله‏.‏

2 - وعن أبي هريرة‏:‏ عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏نزلت هذه الآية في أهل قباء ‏{‏فيه رجال يحبون أن يتطهروا واللَّه يحب المطهرين‏}‏ قال‏:‏ كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه‏.‏

الحديث قال الترمذي‏:‏ غريب وأخرجه البزار في مسنده من حديث ابن عباس بلفظ‏:‏ ‏(‏نزلت هذه الآية في أهل قباء ‏{‏فيه رجال يحبون أن يطهروا واللَّه يحب المطهرين‏}‏ فسألهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالوا‏:‏ إنا نتبع الحجارة الماء‏)‏‏.‏

قال البزار‏:‏ لا نعلم أحدًا رواه عن الزهري إلا محمد بن عبد العزيز ولا عنه إلا ابنه‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ومحمد بن عبد العزيز ضعفه أبو حاتم فقال‏:‏ ليس له ولا لأخويه عمران وعبد اللَّه حديث مستقيم وعبد اللَّه بن شبيب الذي رواه البزار من طريقه ضعيف أيضًا‏.‏

وقد روى الحاكم هذا الحديث وليس فيه إلا ذكر الاستنجاء بالماء فحسب وهكذا صرح النووي وابن الرفعة بأنه ليس في الحديث أنهم كانوا يجمعون بين الأحجار والماء‏.‏ ولا يوجد هذا في كتب الحديث وكذا قال المحب الطبري ورواية البزار واردة عليهم وإن كانت ضعيفة‏.‏ وحديث الباب قال الحافظ‏:‏ هو بسند ضعيف‏.‏ وروى أحمد وابن خزيمة والطبراني والحاكم عن عويم بن ساعدة نحوه وأخرجه الحاكم من طريق مجاهد قال‏:‏ ‏(‏لما نزلت الآية بعث النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى عويم بن ساعدة فقال‏:‏ ما هذا الطهور الذي أثنى اللَّه عليكم به قال‏:‏ ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل دبره فقال صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ هو هذا‏)‏ ورواه ابن ماجه والحاكم من حديث أبي سفيان طلحة بن نافع قال أخبرني أبو أيوب وجابر بن عبد اللَّه وأنس بن مالك وإسناده ضعيف‏.‏ ورواه أحمد وابن أبي شيبة وابن قانع من حديث محمد بن عبد اللَّه بن سلام وحكى أبو نعيم في معرفة الصحابة الخلاف فيه على شهر بن حوشب‏.‏ ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة وذكره الشافعي في الأم بغير إسناد‏.‏

والحديث يدل على ثبوت الاستنجاء بالماء والثناء على فاعله فيه من كمال التطهير وقد تقدم الكلام عليه في أول الباب‏.‏